سينما اليسار
لست واحدا من يقدرون اليسار في مصر، وظني أن اليسار المصري قد أضر كثيرا بالتطور السياسي والاقتصادي في البلاد.وربما أكون مغاليا فيما أري وأقدر، لكنني أجدني ذاهبا في عدم القبول من اليسار السياسي إلي اليسار الثقافي.. لا أجد منطقا يحكم إبداعات اليسار في الفنون، ولا أظن أن اليسار الفني قد ساهم في تحقيق رسالة ذات قيمة أو قيمة لها رسالة.أقول هذا في مناسبة موجة أفلام اليسار التي تتصدر السينما المصرية الآن، وهي موجة في مدرسة لها أستاذ وتلميذ ومريدون.تأخذ المدرسة شرعيتها من نقد الحكومة والسلطة والنظام، وإظهار معركة عنيفة مع الشرطة والأمن، كما تزيد من شرعيتها بممالأة المثقفين، ونفاق المستقلين، والاحتماء بصداقات كثير من المعارضين وقليل من المناضلين.ثم تصل الشرعية منتهاها، بنقل أوضاع الفقراء والبائسين، من سكان العشوائيات إلي أطفال الشوارع.. وهو استثمار كفء وبارع لأوجاع الناس وأوضاع البشر.. وهو استثمار عادة ما ينتهي بالثورة أو لا ينتهي بشيء، وما بين الثورة والغموض، يهيم النقاد عشقا بما كان من حكايا السلطة والثورة.لقد تأملت كثيرا ما تعرضه «سينما اليسار» في مصر الآن ـ لم أجد ما يقوله المعجبون ولا المبهورون.وجدت جهلا بالقضايا السياسية، وضحالة في المعرفة الاجتماعية، والتباسا فيما يوجب الوضوح، ووقاحة فيما يتوجب الستر.وجدت تدهورا في اللغة، وانحطاطا في الألفاظ، كتلة ضخمة من قذارة المفردات وإسفاف العلاقات.وجدت ادعاءً واضحا بالمعرفة الموسوعية بالدين والدنيا، بالمجتمع والدولة، بالأوضاع الإقليمية وتنظيم القاعدة.وجدت شذوذا واسعا، الأم والابن، والأم والبنت، والصديقة والصديقة، وشذوذ في القول والفعل.وجدت سواداً مطبقاً علي النفوس، قتامة وكآبة وإحباطاً، سواداً يعطي المبرر للسلطة في أن تفعل ما تشاء، ذلك أن مصر أصبحت خارج السيطرة، سوادا يعطي المبرر للسفهاء بأن يزدادوا سفاهة، وللبؤساء أن يحتموا بالنكتة.. وللفقراء أن ينتظروا ما لا يجيء، سواداً يقول للابن «اخلع أساور أمك» فالفقراء يفعلون ذلك،وللبنت «نافسي أمك علي زوجها، وتبادلي معها أقذع المفردات»، فالبنات الفقيرات يفعلن ذلك ولأصحاب المقاهي والمطاعم والجيران وعموم البسطاء وصغار الموظفين. «ارضخوا جميعا لأي ظالم أو فاسد، ذلك أنه يستطيع أن يدخلهم وراء الأسوار»، ثم انتظروا جميعا «الثورة» التي لن تجيء.* بقي أن أعتذر عن استخدامي ألفاظاً «غير مناسبة».. لم أتعود استخدامها من قبل، ذلك أنني خرجت من دور السينما فاقدا الأمل في أن تكون صناعة السينما في صالح المستقبل، لقد تم اختطاف السينما المصرية لمن يتاجرون بالوجع، ليصبحوا أبطالا، أو من يهينون الوجع، لحشد الضحكات.. كل عام ونحن أفضل
بقلم الأستاذ أحـمـد الـمـسـلـمـانـى
No comments:
Post a Comment