بقلم مصطفى بكرى
انعقد لساني، واصابتني صدمة كبيرة، وتأكدت تماما في هذه اللحظة أن الرجل أصابه الغرور.لقد قالها بكل جرأة، وبقي فقط أن يبصق علي المشاهدين جميعا، لم يعتذر، ولم يراجع نفسه، بل إن المذيعة القديرة تركته يمضي دون حتي أن تصاب هي الأخري بالدهشة أو تنهي البرنامج، أو في كل الأحوال تقول له: 'عيب.. أنت تخاطب عشرات الملايين من المشاهدين من شاشة التليفزيون المصري وعليك أن تلتزم أدب الحوار'.وبغض النظر عما طرحه نجيب ساويرس من مغالطات في الحديث فإني أتوقف هنا أمام شتائمه التي وجهها ضدي، فقد اسماني بصحفي الفتنة لمجرد أنني طلبت منه أن يتوقف عن اثارة الفتنة بحديثه المتكرر عن الحجاب وعن أن شوارع مصر بدت وكأنها شوارع إيران، وعن أن المادة الثانية من الدستور 'مادة الشريعة الإسلامية' ستدخل البلاد في حالة من التيه!!كان حديثي إليه نابعا من الحرص علي وحدة الوطن ودعوته إلي التوقف عن اشعال النيران لحسابات يعرفها هو قبل غيره، وهي بالقطع حسابات سياسية أكثر من كونها طائفية.غير أن ساويرس راح يقدم نفسه علي أنه ضحية للمتطرفين وعناصر الفتنة، وتناسي أنه هو الذي يصب الزيت علي النار بهذه المقولات التي سرعان ما يستغلها البعض علي الجانبين ويكون الوطن هو الضحية.وإذا كان المهندس نجيب ساويرس يري - كما قال في أحاديث صحفية منشورة - أن أفضل طريقة للقضاء علي المد الديني لدي المسلمين والمسيحيين هو في تقديم أفلام لا تخضع للرقابة في قناته (O. T. V) فهو قول مغلوط يعبر عن عدم وضوح الرؤية وافتقاد المنهج الصحيح وضحالة الفكرة.كان يمكن للمهندس نجيب ساويرس أن يواجه الحجة بالحجة وأن يبحث عن منطق يرد به علي التساؤلات المطروحة غير أنه راح يؤجر الصحف اللقيطة ويدفع الأموال لممارسة دور الرأسمالية المتوحشة بقيم غريبة ورؤي متخلفة، ظنا منه أن المال قادر علي شراء كل شيء وقهر كل من يتصدون لما يطرحه من مواقف وما يقوم به من ممارسات..لقد شن ساويرس في حديثه هجوما علي الصحافة والصحفيين واتهم بعض الصحف الخاصة بالتحريض والمزاجية، بل قال إن إحدي الصحف الخاصة التي يساهم فيها تقوم هي الأخري 'بشلفطة الدنيا' حسب تعبيره، وكان يقصد بالقطع صحيفة 'المصري اليوم' التي أراد توظيفها لحساب معاركه الخاصة وإلا!!وكانت الطامة الكبري عندما راح ساويرس يقول: 'إنني بعت البلد مرتين' وأنا شخصيا لا أعرف لماذا مرتان وليس ثلاثا أو أربعا أو عشرا..؟! ثم الأهم من ذلك :ماذا بعت يا سيد ساويرس؟.. هل بعت شركة المصرية للأسمنت إلي شركة لاڤارج الفرنسية ب٣٧ مليار جنيه مثلا ؟ أم هل حصلت علي مليارات القروض من البنوك المصرية وذهبت للاستثمار في شركات أجنبية وإحداها تقوم بالاستثمار في 'إسرائيل' مثلا؟ أم أن هيئة المعونة الأمريكية تفضلني علي الآخرين من رجال الأعمال؟.. هل مثلا حصلت علي آلاف الأفدنة بثمن بخس، أم أن ثروتي وثروة أسرتي أصبحت في عشر سنوات حوالي ٠٢١ مليار جنيه، ورغم ذلك لم أسدد قروض البنوك المصرية؟إنني اسألك: هل طردت من العراق مثلا وتم وقف التعامل مع شركتي؟ أم أنني شاركت في بناء قواعد عسكرية للأمريكان في العراق وأفغانستان؟ هل أدليت مثلا بحديث لصحيفة 'معاريف' الإسرائيلية واعتبرت جسرا للتطبيع مع إسرائيل، أم أنني قررت عرض أفلام خليعة في قناة أمتلكها لأفسد الشباب وأدمر القيم والأخلاقيات؟يا سيد ساويرس، لقد حصل لي الرعب والخوف عندما هددتني علي شاشة القناة الأولي وقلت لمقدمة البرنامج: 'أنا صعيدي وهيعرف أنا هعمله إيه'، وعندما قالت لك الأستاذة لميس الحديدي: إنها ستحاول الاتصال بي بادرت علي الفور بالقول: 'يبقي أمه داعية عليه'.. وقد كنت أتمني يا باشمهندس أن ترتقي بألفاظك وأن تعرف أن قيم الصعايدة وأخلاقهم ألا يأتوا علي سيرة الأمهات.يا أخ نجيب لا أريد أن اتطرق في الحديث عن الأمهات والزوجات والخالات والعمات ومشاكل تحدث هنا أو هناك، فهذا ليس من شيم الرجال ولا قيم الشجعان.إن والدتي يا أخ نجيب لم تدع عليٌ لأني بار بها.. وقد علمتني أدب الحديث واحترام الآخر.لذلك أنا لا استطيع أن أباريك في الحديث عن الأمهات لأنني احترم السيدة والدتك صاحبة الأدوار الاجتماعية المعروفة وإن كان لها من عيب فهو عيب واحد فقط انها لم تعلمك كيف تخاطب الناس، فذهبت لتسب الدين علي شاشة التليفزيون بطريقة أثارت استياء كل من شاهدوا البرنامج وراحوا يسخرون علي المقاهي والطرقات ويقولون: 'هل هذا رجل أعمال ومثقف وليبرالي أم رجل يطلق الكلمات بلا حساب ويسب الناس بطريقة مهينة ومن علي شاشة تليفزيون مصر الرسمي؟'.إنني يا سيد نجيب ساويرس متمسك بالرد عليك ومن علي شاشة التليفزيون المصري وبطريقة مؤدبة محترمة، وأظن أن هذا حقي وإن كنت أخاف ألا امنح ذات الفرصة!!إنني أدعوك يا باشمهندس إلي مناظرة تليفزيونية من علي شاشةأي قناة تختارها (عدا قناة O. T. V)في حوار سأعلمك فيه أدب الحديث واحترام الآخر، وسأكشف فيه أمام الرأي العام تجاوزاتك المتعددة وسأتحدث بكل شفافية عن صفقاتك خاصة المحمول وكيف حصلت عليه وبيع الأسمنت وكيف تم وتأسيس الجونة وكيف حدث.يا سيد ساويرس أنا لست الضحية الوحيدة لانفلات أعصابك، فأمامنا مثل حي هو الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي، وأمامنا وزير الاتصالات طارق كامل، وأمامنا كثيرون آخرون.في قضية فاروق العقدة راح ساويرس يتهم محافظ البنك المركزي في الصحف وعلي شاشة التليفزيون بأنه يقف عقبة أمام حقه في تملك بنك مصري وليكن بنك القاهرة وراح يقدم الموضوع وكأنها عنصرية من محافظ البنك المركزي، وعلي مدي عدة شهور التزم فاروق العقدة الصمت ورفض الرد، فبات البعض يتساءل: لماذا يرفض فاروق العقدة منح رجل أعمال مصري ناجح بنكا، أليس هو أفضل من الأجانب؟ويبدو أن السيد ساويرس في حروبه الدونكيشوتية نسي أو تناسي أن قانون البنك المركزي رقم ٨٨ لسنة 2003 يمنع أي شخص أو شخص مرتبط من تملك أكثر من٠١٪ من أي بنك، والشخص المرتبط هنا يعني العائلة سواء الإخوة أو أولاد العم.ورغم أن القانون ينص علي أن الحصة ٠١٪ إلا أن البنك المركزي قام بتزويد النسبة لتصبح فقط حصة أقلية أي بما لا يسمح للشخص أو الشخص المرتبط بامتلاك نسبة ١٥٪ من أي بنك.كان هذا الكلام واضحا أمام نجيب ساويرس غير أنه راح يوجه الاتهامات والادعاءات الكاذبة.لقد نسي المهندس نجيب أو تناسي أن السيد والده أنسي ساويرس كان أحد ملاك بنك مصر اكستريور مع آخرين وأن خسارة هذا البنك العائلي بلغت حوالي ٧.١ مليار جنيه تحملها البنك المركزي، ونسي أيضا أن البنوك التي قامت علي أساس عائلي ومنها بنوك النيل والتجاريون والمصري المتحد كلفت البنك المركزي خسائر قدرها حوالي ٠١ مليارات جنيه.كان نجيب ساويرس يضغط بكل قوة من أجل أن يقوم البنك المركزي بتعديل القانون لصالحه غير أن تراث البنوك العائلية والشخصية لم يكن يشجع علي أي تعديل.وإذا كان نجيب ساويرس راح يملأ الدنيا ضجيجا بالقول إنه سينشئ بنكا في الخارج طالما رفض البنك المركزي السماح له فأنا اسأله عن نسبته في البنك المشترك الذي اقيم في الجزائر بين أسرته والبنك التجاري الدولي.. إن نسبة أسرة ساويرس هي ٠٤٪ ، بينما نسبة البنك التجاري الدولي ٠٦٪، ولذلك فإن الجزائر رفضت أن تتملك أسرة ساويرس حصة أسهم الأغلبية في البنك وصممت الدولة الجزائرية علي أن تتولي هي الإدارة وليس غيرها.وفي أوربا لا يستطيع ساويرس أن يؤسس بنكا ولا حتي أن يملك نسبة ٠١٪، وأظن أنه يدرك ويعرف أن الوليد بن طلال عندما سعي لتملك حصة في سيتي بنك فإن حصته لم تزد علي ٠٢٪ رغم أن البنك كان علي وشك الافلاس في هذا الوقت.نفس الأمر بالنسبة للمهندس طارق كامل وزير الاتصالات، لقد كانت كل جريمته أنه طالب شركة أوراسكوم تليكوم التي يرأسها نجيب ساويرس بسداد مبلغ ٥.٣ مليار جنيه نظير خدمة الشبكة الثالثة شأنه شأن شركتي 'فودافون' و'اتصالات' غير أن ساويرس راح يتهم طارق كامل بالانحياز لشركة 'اتصالات' وقس علي ذلك من الاتهامات الجاهزة.إذن السيد ساويرس يلجأ دوما إلي توجيه الاتهامات والحديث عن الاضطهاد في حال عدم تنفيذ أي من مطالبه حتي ولو كانت غير مشروعة.وهنا اسأل بعد أن استمعت إلي حديثه في التليفزيون المصري وغيره من وسائل الإعلام: عن أي اضطهاد يتحدث وهو وحده وأسرته تمثل قيمة شركاتهم اكثر من ٥٣٪ من البورصة؟ويكفي القول أيضا إن شركتي أوراسكوم تليكوم وأوراسكوم للإنشاءات والصناعة قيمتهما حوالي ٠٠٢ مليار جنيه يمتلكون فيهما أكثر من ثلثي القيمة.. بعد كل ذلك يحدثك عن الاضطهاد الشخصي الموجه إليه.بقي القول أخيرا: كنت اعتقد أن السيد نجيب ساويرس سيراجع نفسه ويعتذر للرأي العام عن مقولته: ' اللي هيضايقني حطلع دين اللي خلفوه' وكذلك بقية العبارات التي أساء فيها إلي والدتي وإلي شخصي، غير أن غرور المال والثروة جعله يتجاهل ويتناسي أهم القيم التي يتحلي بها الإنسان.يا باشمهندس، يا صعيدي، يا مؤدب، يا ملياردير.. راجع نفسك وهذب لسانك، واحترم الناس، واحترم مصر التي صنعتك وقدمت إليك المليارات التي مازلت مديونا بها للبنوك.أما سؤالي للتليفزيون المصري: تري ماذا فعلتم أمام الجرح الكبير الذي سببه ساويرس لكل المصريين؟ لقد أصبح مقررا علينا صباح مساء، ألم يعد هناك في مصر رجل أعمال سوي نجيب ساويرس ليفتي في كل شيء ويسب كل قيمة ويوجه لعناته إلينا من شاشة تليفزيون الدولة.
No comments:
Post a Comment